الجسد المرهق
خرجت فاطمة من عملها متعبة. وكان جسدها يسير ككومة قماش منهكة. وهي مضيئة بنور روحها. روح يلقبها الزملاء و الزميلات بالفنار المنير. لأن فاطمة كانت دائما مبتسمة الثغر و تحيي كل من يمر أمام مكتبها أو من يعترضها في أروقة المؤسسة التي تشتغل فيها.
فاطمة إمرة جميلة و مثقفة. وهي محبة للحياة و متفانية في العمل. تشيد دائما بمزايا العمل و تحث بإنجازه بسرعة. و كانت متواضعة جدا. فاطمة تعامل كل الموظفين بنفس الطريقة لا تميز بين من يشتغل مديرا أو حارسا . لأن كلاهما إنسان ووجب علينا احترامه.
كان المساء يحط برحاله بين أحضان فضاء رائع يوجد قبالة المؤسسة التي تشتغل فيها فاطمة . إنه مكان جميل تهدهده الطيور بغنائها السحري. و تؤثثه الأشجار الناعمة بأوراقها الخلابة. و توشح السماء بزرقتها الأخاذة هذا المكان الجذاب.
وفقت فاطمة تنتظر سيارة أجرة للعودة إلى منزلها. وظلت طويلا هكذا. و قد أثقل التعب ممشاها. مر قسط طويل من الوقت. و لكن فاطمة لم تظفر بسيارة أجرة. فشعرت بإحباط مقيت. ثم أحست بدوار يكاد يسقطها على الأرض. و لكنها تمالكت و شدت على نفسها بعزيمة فولاذية مهدئة.
هنا استندت فاطمة إلى قضيب حديد يحمل شارة مرور حتى لا تسقط.
كان العمود الحديدي صامدا. فاستمدت منه فاطمة قوتها و بقت تنتظر لعل الزمان يجود عليها بسيارة أجرة.لم يكن القضيب الحديدي مثبتا بالقدر اللازم في الأرض فمال و مال معه جسد فاطمة المتعب. و تخيلت أن العمود يتكلم و يقول لها
-آه تعب جسدك يتعب جسدي النحيف, أرجوك أبتعدي عني. إن جسدي لا يتحمل هذا الثقل.
انزعجت فاطمة و قالت سبحان الله حتى الجماد يتكلم من شدة التعب.
إجابته فاطمة
- - أرجوك أن تتحملني قليلا
- رد عليها لا عليك نحن الجماد أكثر صبرا من بني الإنسان فاستندي عليّ قدر ما شئت
- - ردت فاطمة شكرا آه أنت صبرك يفوق بكثير صبر الإنسان
مرت ساعة من الزمان و لكن سيارة الأجرة لم تأت. و ذبلت عيني فاطمة من التعب و جفت شفتيها القرمزيتين من شجن التعب المرهق.
- - آه الحمد الله سيارة الأجرة أتت قالتها فاطمة و هي تتنفس السعداء
- ركبت فاطمة السيارة و عادت إلى البيت بعد انتظار طويل و مرير.
© فطوم عبيدي 21.5.2016